كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَنَهْتَدِي بِهِ، نُوَالِي عَلِيًّا الْمُرْتَضَى، وَنُوَالِي مَنْ وَالَاهُمْ، وَنُعَادِي مَنْ عَادَاهُمْ، وَنَعُدُّ ذَلِكَ كَمُوَالَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ، وَنُؤْمِنُ بِأَنَّ عِتْرَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى مُفَارَقَةِ الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْكِتَابَ وَالْعِتْرَةَ خَلِيفَتَا الرَّسُولِ، فَقَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ قِصَّةِ الْغَدِيرِ، فَإِذَا أَجْمَعُوا عَلَى أَمْرٍ قَبِلْنَاهُ وَاتَّبَعْنَاهُ، وَإِذَا تَنَازَعُوا فِي أَمْرٍ رَدَدْنَاهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ.
وَأَمَّا الْمُتَبَادِرُ مِنَ الْآيَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْأَمْرُ بِالتَّبْلِيغِ الْعَامِّ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، كَمَا رَوَاهُ أَهْلُ التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ، وَلَوْلَاهُ لَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ تَبْلِيغَ أَهْلِ الْكِتَابِ مَا بَعْدَ هَذِهِ الآية.
كَأَنَّهُ قَالَ: بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ فِي شَأْنِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَاذْكُرْ لَهُمْ مَا يَكُونُ فَصْلَ الْخِطَابِ. فَإِنْ سَأَلْتَ عَنْ ذَلِكَ، فَهَاكَ الْجَوَابُ: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} إِلَى آخِرِ مَا سَيَأْتِي، وَإِذَا صَحَّ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالضِّيَاءُ لَا يُبْقِي لِلِاحْتِمَالِ مَجَالٌ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ آيَةٍ مِنَ السَّمَاءِ أُنْزِلَتْ أَشَدُّ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: كُنْتُ بِمِنًى أَيَّامَ مَوْسِمٍ، وَاجْتَمَعَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ وَأَفْنَاءُ النَّاسِ فِي الْمَوْسِمِ، فَنَزَلَ عَلِيَّ جِبْرِيلُ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} الْآيَةَ- قَالَ- فَقُمْتُ عِنْدَ الْعَقَبَةِ؛ فَقُلْتُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ يَنْصُرُنِي عَلَى أَنْ أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي وَلَكُمُ الْجَنَّةُ؟ أَيُّهَا النَّاسُ، قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَا رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ تُفْلِحُوا وَتَنْجَحُوا، وَلَكُمُ الْجَنَّةُ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَا بَقِيَ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ وَلَا أَمَةٌ وَلَا صَبِيٌّ إِلَّا يَرْمُونَ عَلَيَّ بِالتُّرَابِ وَالْحِجَارَةِ، وَيَقُولُونَ: كَذَّابٌ صَابِئٌ. فَعَرَضَ عَلَيَّ عَارِضٌ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنْ كُنْتَ رَسُولَ اللهِ فَقَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَدْعُوَ عَلَيْهِمْ، كَمَا دَعَا نُوحٌ عَلَى قَوْمِهِ بِالْهَلَاكِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، وَانْصُرْنِي عَلَيْهِمْ أَنْ يُجِيبُونِي إِلَى طَاعَتِكَ، فَجَاءَ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ، فَأَنْقَذَهُ مِنْهُمْ، وَطَرَدَهُمْ عَنْهُ»، وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيدُ تَأْكِيدٍ.
قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ} أَيْ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ مِنَ التَّبْلِيغِ الْعَامِّ لِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ كُلُّهُ- وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ- أَوِ الْخَاصِّ بِأَهْلِ الْكِتَابِ- عَلَى مَا سَبَقَ مِنَ الِاحْتِمَالِ- بِأَنْ كَتَمْتَهُ، وَلَوْ مُؤَقَّتًا؛ خَوْفًا مِنَ الْأَذَى بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ، أَوْ بِهِمَا جَمِيعًا {فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} أَيْ فَحَسْبُكَ جُرْمًا أَنَّكَ مَا بَلَّغْتَ الرِّسَالَةَ، وَلَا قُمْتَ بِمَا بُعِثْتَ لِأَجْلِهِ، وَهُوَ تَبْلِيغُ النَّاسِ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} (42: 48) وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: وَإِنْ لَمْ تُبَلِّغْ جَمِيعَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ بِأَنْ كَتَمْتَ بَعْضَهُ، فَكَأَنَّكَ لَمْ تُبَلِّغْ مِنْهُ شَيْئًا قَطُّ؛ لِأَنَّ كِتْمَانَ الْبَعْضِ كَكِتْمَانِ الْجَمِيعِ، فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} (5: 32) وَيُقَوِّيهِ قِرَاءَةُ نَافِعٍ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَابْنُ أَبِي بَكْرٍ: {رِسَالَاتِهِ} بِالْجَمْعِ.
فَمَعْنَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: إِفَادَةُ اسْتِغْرَاقِ النَّفْيِ لِكُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْوَحْيِ، الَّذِي كُلِّفَ الرَّسُولُ تَبْلِيغَهُ، لَكِنْ فِي الْحُكْمِ لَا فِي الْوَاقِعِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ كُنْتَ كَأَنَّكَ مَا بَلَّغْتَ شَيْئًا مَا مِنْ مَسَائِلِ الرِّسَالَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأُ. وَقَدْ ضَعَّفَ هَذَا الْوَجْهَ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ، وَإِنْ كَانَ رَأْيُ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ تَرْكَ تَبْلِيغِ بَعْضِ الْمَسَائِلِ تَرْكٌ لِتَبْلِيغِ كُلِّ مَسْأَلَةٍ بِالْفِعْلِ، وَذَلِكَ خِلَافُ الْوَاقِعِ، أَوْ فِي الْحُكْمِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ تَارِكُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ كَتَارِكِ جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى عَلَى التَّشْبِيهِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَلَا يُعَارِضُ مَا لَا يَتَجَزَّأُ فِي الْحُكْمِ كَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ بِمَا يَتَجَزَّأُ كَالْعِبَادَاتِ وَالْمَعَاصِي. وَتَرْكُ التَّبْلِيغِ لَوْ جَازَ وُقُوعُهُ كُفْرٌ. وَلِهَذَا الْمَعْنَى نَظِيرٌ يُؤَيِّدُهُ، وَهُوَ حُكْمُ اللهِ بِأَنَّ مَنْ كَذَّبَ بَعْضَ الرُّسُلِ كَانَ كَمَنْ كَذَّبَهُمْ كُلَّهُمْ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} (4: 150، 151) بَلْ وَرَدَ مَا يُؤَيِّدُ الْوَجْهَ الْآخَرَ أَيْضًا، وَهُوَ تَشْبِيهُ قَاتَلِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ بِقَاتِلِ النَّاسِ جَمِيعًا، وَتَقَدَّمَتِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا مَعْنَى قِرَاءَةِ الْآخَرِينَ {رِسَالَتَهُ} بِالْإِفْرَادِ فَهُوَ نَفْيُ الْقِيَامِ بِمَنْصِبِ الرِّسَالَةِ.
وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ تَبْلِيغِ الرِّسَالَاتِ بِالْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الْأَحْزَابِ بَعْدَ قِصَّةِ زَيْدٍ وَزَيْنَبٍ: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ} (33: 39) هَكَذَا قَرَأَ الْجَمَاعَةُ كُلُّهُمْ {رِسَالَاتِ} بِالْجَمْعِ، وَإِنَّمَا قُرِئَ بِالْإِفْرَادِ فِي الشَّوَاذِّ، وَجَاءَ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَغَيْرِهَا، وَالِاسْتِشْهَادُ بِآيَةِ الْأَحْزَابِ أَنْسَبُ فِي هَذَا الْمَقَامِ؛ لِأَنَّ مَا نَزَلَ فِي قِصَّةِ زَيْدٍ وَزَيْنَبَ هُوَ أَشَدُّ مَا نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَعَلِّقًا بِشَخْصِهِ الْكَرِيمِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} (33: 37) حَتَّى رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا: «لَوْ كَتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ».
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ عَصَمَ الرُّسُلَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مِنْ كِتْمَانِ شَيْءٍ مِمَّا أَمَرَهُمْ بِتَبْلِيغِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَبَطَلَتْ حِكْمَةُ الرِّسَالَةِ بِعَدَمِ ثِقَةِ النَّاسِ بِالتَّبْلِيغِ، فَمَا حِكْمَةُ التَّصْرِيحِ مَعَ هَذَا بِالْأَمْرِ بِالتَّبْلِيغِ وَتَأْكِيدِهِ بِجَعْلِ كِتْمَانِ بَعْضِهِ كَكِتْمَانِهِ كُلِّهِ؟
قُلْتُ: حِكْمَتُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِعْلَامُ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ بِأَنَّ التَّبْلِيغَ حَتْمٌ لَا تَخْيِيرَ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ كِتْمَانُهُ، وَلَوْ مُؤَقَّتًا بِتَأْخِيرِ شَيْءٍ مِنْهُ عَنْ وَقْتِهِ، عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِهَادِ؛ إِذْ كَانَ يَجُوزُ- لَوْلَا هَذَا النَّصُّ- أَنْ يَكُونَ مِنِ اجْتِهَادِ الرَّسُولِ تَأْخِيرُ بَعْضِ الْوَحْيِ إِلَى أَنْ يَقْوَى اسْتِعْدَادُ النَّاسِ لِقَبُولِهِ، وَلَا يَحْمِلَهُمْ سَمَاعُهُ عَلَى رَدِّهِ وَإِيذَاءِ الرَّسُولِ لِأَجْلِهِ، وَحِكْمَتُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّاسِ أَنْ يَعْرِفُوا هَذِهِ الْحَقِيقَةَ بِالنَّصِّ، فَلَا يُعْذَرُوا إِذَا اخْتَلَفُوا فِيهَا بِاخْتِلَافِ الرَّأْيِ وَالْفَهْمِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَيُؤَيِّدُهُ تَأْخِيرُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِذْنَ لِمَوْلَاهُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بِتَطْلِيقِ زَيْنَبَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى مَا قَضَى بِتَزْوِيجِهَا لَهُ- وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ طِبَاعَهُمَا لَا تَتَّفِقُ، وَأَنَّهُ لابد أَنْ يُضْطَرَّ إِلَى طَلَاقِهَا- إِلَّا لِيَتَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَيُبْطِلُ بِذَلِكَ جَرِيمَةَ التَّبَنِّي، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْبَاطِلِ. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْشَى أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: تَزَوَّجَ مُطَلَّقَةَ ابْنِهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَنَّى زَيْدًا قَبْلَ الْبَعْثَةِ. وَلَمَّا لَمْ يُؤَقِّتِ اللهُ تَعَالَى وَقْتًا لِتَطْلِيقِ زَيْدِ لِزَيْنَبَ، وَلِتَزْوِيجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا وَافَقَ اجْتِهَادُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَبْعَهُ الْبَشَرِيَّ وَالْعَمَلَ بِظَاهِرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ كَرَاهَةِ الطَّلَاقِ، فَكَانَ بِنَاءً عَلَى هَذَا يَقُولُ لِزَيْدٍ كُلَّمَا شَكَا إِلَيْهِ عِشْرَةَ زَيْنَبَ: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ}، وَيُخْفِي فِي نَفْسِهِ مَا يَعْلَمُهُ مِنْ أَنَّهُ لابد مِنْ طَلَاقِ زِيدٍ لَهَا، وَتَزَوُّجِهِ هُوَ بِهَا، وَلَكِنْ كَانَ يُحِبُّ تَأْخِيرَ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ فِي تَبْلِيغِ الْوَحْيِ هَوَادَةٌ لِجَازَ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الْوَحْيِ مِثْلُ هَذَا التَّأْخِيرِ بِالِاجْتِهَادِ؛ وَلِأَجْلِ هَذَا الشَّبَهِ وَالتَّنَاسُبِ بَيْنَ تَنْفِيذِ مَا أَرَادَ اللهُ مِنْ إِبْطَالِ التَّبَنِّي وَلَوَازِمِهِ بِزَوَاجِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَيْنَبَ، بَعْدَ تَطْلِيقِ زِيدٍ لَهَا، وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ تَبْلِيغِ الْوَحْيِ، وَكَوْنِهِ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ خَشْيَةً مِنْ قَوْلِ النَّاسِ أَوْ فِعْلِهِمْ؛ لِأَجْلِ هَذَا بَيَّنَ اللهُ عَقِبَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ سُورَةِ الْأَحْزَابِ سُنَّتَهُ فِي عَدَمِ الْحَرَجِ عَلَى الرُّسُلِ، وَفِي تَبْلِيغِهِمْ رِسَالَاتِ اللهِ، وَكَوْنِهِمْ يَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا سِوَاهُ (رَاجِعْ آيَةَ 38 و39 مِنْهَا).
وَأَمَّا الثَّانِي- وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حِكْمَةِ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّاسِ- فَيُؤَيِّدُهُ مَا نُقِلَ إِلَيْنَا مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْآرَاءِ فِي جَوَازِ كِتْمَانِ بَعْضِ الْوَحْيِ غَيْرِ الْقُرْآنِ أَوِ الْعِلْمِ النَّبَوِيِّ غَيْرِ الْوَحْيِ عَنْ كُلِّ النَّاسِ أَوْ عَنْ جُمْهُورِهِمْ، وَتَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا ثَبَتَ فِي مَعْنَاهَا تَأْوِيلًا يَتَّفِقُ مَعَ آرَائِهِمْ، فَكَيْفَ لَوْ لَمْ تَرِدْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ؟ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ مِنْ سُؤَالِ بَعْضِ النَّاسِ عَلِيًّا الْمُرْتَضَى: هَلْ خَصَّهُمُ الرَّسُولُ بِشَيْءٍ مِنَ الْوَحْيِ أَوْ عِلْمِ الدِّينِ؟ يَعْنِي أَهْلَ الْبَيْتِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ رِوَايَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، مِنْهَا قَوْلُ أَبِي جُحَيْفَةَ لَعَلِيٍّ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْوَحْيِ إِلَّا مَا فِي كِتَابِ اللهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: لَا، وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللهُ رَجُلًا فِي الْقُرْآنِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ.
قَالَ السَّائِلُ: قُلْتُ: وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ، وَأَلَّا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَمِنَ الْبَدِيهِيِّ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ عَلِيٍّ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ الْفَهْمَ فِي الْقُرْآنِ لَيْسَ مِنَ الْوَحْيِ، وَكَذَا مَا فِي الصَّحِيفَةِ، وَهُوَ الْعَقْلُ؛ أَيْ دِيَةُ الْقَتْلِ، وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ... إِلَخْ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ سَبَبَ سُؤَالِ عَلِيٍّ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ غُلَاةِ الشِّيعَةِ كَانُوا يَتَحَدَّثُونَ، أَوْ يَبُثُّونَ فِي النَّاسِ أَنَّ عِنْدَ عَلِيٍّ وَآلِ بَيْتِهِ مِنَ الْوَحْيِ، مَا خَصَّهُمْ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ النَّاسِ. وَيُرْوَى عَنْ بَعْضِهِمْ جَوَازُ الْكِتْمَانِ عَلَى سَبِيلِ التَّقِيَّةِ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَا يُوحِيهِ اللهُ لِلرُّسُلِ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا مَا هُوَ خَاصٌّ بِهِمْ، لَا يَأْذَنُهُمْ بِتَبْلِيغِهِ لِأَحَدٍ، وَمِنْهُ مَا يَأْمُرُهُمْ بِتَبْلِيغِهِ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَمِنْهُ مَا يَخُصُّ بِهِ مَنْ يَرَاهُمْ أَهْلًا لَهُ مِنَ الْأَفْرَادِ. وَمِنْ هُنَا أَخَذَ مَنْ يَقُولُونَ إِنَّ عِلْمَ الْأَنْبِيَاءِ قِسْمَانِ: ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ؛ فَالظَّاهِرُ عَامٌ، وَالْبَاطِنُ خَاصٌّ. وَلِبَعْضِ الْمُتَصَوِّفَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ سَبَحٌ طَوِيلٌ فِي بَحْرِ هَذِهِ الْأَوْهَامِ.
فَأَمَّا الْبَاطِنِيَّةُ فَأَئِمَّتُهُمْ فِي مَذَاهِبِهِمْ زَنَادِقَةٌ تَعَمَّدُوا هَدْمَ الْإِسْلَامِ بِالشُّبَهَاتِ، وَالتَّأْوِيلَاتِ الْمُشَكِّكَاتِ.
وَأَمَّا الْمُتَصَوِّفَةُ فَقَدْ رَاجَ عَلَى بَعْضِهِمْ بَعْضَ تِلْكَ الشُّبَهَاتِ وَالتَّأْوِيلَاتِ؛ لِضَعْفِهِمْ فِي عِلْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَاسْتَمْسَكُوا بِالْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ، وَأَخَذُوا بِظَوَاهِرِ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الصَّحِيحَةِ كَقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْوِيِّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ؛ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ مِنِّي هَذَا الْبُلْعُومُ» يُشِيرُ إِلَى عُنُقِهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا ذُبِحَ يَنْقَطِعُ بُلْعُومُهُ؛ وَهُوَ مَجْرَى الطَّعَامِ، فَجَهَلَةُ الْمُتَصَوِّفَةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِ الْحَقِيقَةِ هُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا فِي الْوِعَاءِ الْآخَرِ مِنْ وِعَاءَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَبَعْضُهُمْ يَظُنُّ أَنَّ لِشُيُوخِهِمْ سَنَدًا فِي تَلَقِّي عِلْمِ الْبَاطِنِ، يَنْتَهِي إِلَى بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَوْ أَئِمَّةِ آلِ الْبَيْتِ عَلَيْهِمُ الرِّضْوَانُ.
وَالَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَعْنِي بِمَا كَتَمَ مِنَ الْحَدِيثِ أَحَادِيثَ الْفِتَنِ، وَمَا يَكُونُ مِنَ الْفَسَادِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا عَلَى أَيْدِي أُغَيْلِمَةٍ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ، وَهُمْ بَنُو أُمَيَّةَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ دَعَا اللهَ تَعَالَى أَنْ يُنْقِذَهُ مِنْ سَنَةِ سِتِّينَ وَإِمَارَةِ الصِّبْيَانِ، وَقَدْ مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ، وَفِي سَنَةِ سِتِّينَ وَلِيَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، فَعَلِمَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَسْتَعِيذُ بِاللهِ مِنْ إِمَارَتِهِ، وَقَدْ أَعَاذَهُ اللهُ تَعَالَى فَلَمْ يَرَ أَيَّامَهَا السُّودَ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي أُغَيْلِمَةِ قُرَيْشٍ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَمْرَ دِينِهِمْ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «لَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ لَفَعَلْتُ»، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ؛ كَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، أَخْبَارَ الْفِتَنِ وَأُمَرَاءِ الْجَوْرِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يَكْتُمُهَا عِنْدَ وُقُوعِهَا، خَوْفًا مِنِ انْتِقَامِ أُولَئِكَ الْأُمَرَاءِ الْمُسْتَبِدِّينَ الْمُفْسِدِينَ، وَأَمَّا كِتْمَانُ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ فَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْإِجْمَاعِ وَبِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَكَيْفَ يَكْتُمُهُ؟ وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ الْحَدِيثَ، وَلَوْلَا آيَتَانِ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى مَا حَدَّثْتُ حَدِيثًا، ثُمَّ يَتْلُو قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} (2: 159) إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {الرَّحِيمُ} وَقَوْلَهُ: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} (3: 187)... إِلَخْ.
وَرَوَى عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ حَدِيثَ: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ، أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ»، وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَهُ طُرُقٌ حَسَنَةٌ وَصَحِيحَةٌ، وَالْوَعِيدُ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ عَلَى الْكِتْمَانِ مُطْلَقًا.
وَالْحُقُّ الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ أَنَّ الرَّسُولَ بَلَّغَ جَمِيعَ مَا أَنْزَلَهُ اللهُ إِلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَبَيَّنَهُ، وَلَمْ يَخُصَّ أَحَدًا بِشَيْءٍ مِنْ عَلْمِ الدِّينِ، وَأَنَّهُ لَا يَمْتَازُ أَحَدٌ فِي عَلَمِ الدِّينِ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا بِفَهْمِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ: نَوْعٌ كَسْبِيٌّ يُتَوَسَّلُ إِلَيْهِ بَعْدَ السُّنَّةِ وَآثَارِ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَمُفْرَدَاتِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَأَسَالِيبِهَا، وَكَذَا بِعُلُومِ الْكَوْنِ وَشُئُونِ الْبَشَرِ وَسُنَنِ اللهِ فِي الْخَلْقِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْعُلُومَ الْمُكْتَسَبَةَ مِنْ نَقْلِيَّةٍ وَعَقْلِيَّةٍ هِيَ الَّتِي يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى فَهْمِ الْقُرْآنِ، وَنَوْعٌ وَهْبِيٌّ؛ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ عَلِيٍّ الْمُرْتَضَى بِالْفَهْمِ الَّذِي يُؤْتِيهِ اللهُ عَبْدًا مِنَ الْقُرْآنِ، وَهُوَ مَا بِهِ يَفْضُلُ أَهْلُ الْعِلْمِ الْكَسْبِيِّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَمَنْ لَا حَظَّ لَهُ مِنْ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ وَالسُّنَنِ وَالْآثَارِ لَا حَظَّ لَهُ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ الْوَهْبِيِّ؛ لِأَنَّ الْكَسْبِيَّ هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي يُثْمِرُ الْعِلْمَ الْوَهْبِيَّ. وَقَدْ ذَكَرَ الْقَسْطَلَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ قَوْلَ عَلِيٍّ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ اسْتِخْرَاجِ الْعَالِمِ بِفَهْمِهِ مِنَ الْقُرْآنِ مَا لَمْ يَكُنْ مَنْقُولًا عَنِ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَدِ اشْتَرَطَ الْعُلَمَاءُ لِكُلِّ فَهْمٍ جَدِيدٍ فِي الْقُرْآنِ شَرْطَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنْ يُوَافِقَ مَدْلُولَاتِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَثَانِيهُمَا: أَلَّا يُخَالِفَ أُصُولَ الدِّينِ الْقَطْعِيَّةَ، فَسَقَطَتْ بِذَلِكَ ضَلَالَاتُ الْبَاطِنِيَّةِ وَأَهْلِ الْوَحْدَةِ مَنْ غُلَاةِ الصُّوفِيَّةِ وَأَشْبَاهِهِمْ مِنَ الَّذِينَ يَعْبَثُونَ بِكِتَابِ اللهِ بِأَهْوَائِهِمْ؛ كَالدَّجَّالِ عُبَيْدِ اللهِ الَّذِي صَنَّفَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ تَصَانِيفَ بِاللُّغَةِ التُّرْكِيَّةِ، حَرَّفَ فِيهَا الْقُرْآنَ أَبْعَدَ تَحْرِيفٍ، بِحَيْثُ لَا يَنْطَبِقُ عَلَى اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَلَا عَلَى أُصُولِ الْإِسْلَامِ وَلَا فُرُوعِهِ؛ مِنْهَا كِتَابُ «قَوْمٌ جَدِيدٌ» وَكِتَابُ «صوك جواب» أَيِ الْجَوَابُ الْأَخِيرُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ تَنْفِيرُ التُّرْكِ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَتَحْوِيلُهُمْ عَنْهُ.